الرئيسية / الفاجعة بين الدولة واللادولة

الفاجعة بين الدولة واللادولة

لم تنته الأزمة في الأفقين العراقي والأيراني ، كل ما في الأمر ان تداعياتها المباشرة قد تراجعت ، العدوان الامريكي استهدف البلدين ووضعهما في دائرة الفرضة والشعيرة سوية بلا تمييز ، فاتخذا خندقا واحدا ، وللبلدين وللشعبين خبرة في توحيد خندقهما منذ ٤٠ سنة وهناك نماذج رمزية وتعبوية وقيادية متشابهة بينهما وهناك ثنائيات متميزة بين البلدين ، ثنائية الشهيد الصدر والامام الخميني ، السيد السيستاني والسيد الخامنئي ، الحرس الثوري والحشد الشعبي ، الشهيد القائد سليماني والشهيد القائد المهندس ، ثنائية قم والنجف ، مشهد وكربلاء ، لكن مع كل هذه الثنائيات يبقى بين البلدين فرق هائل في التعامل مع الأزمات ، والفرق في براعة تحويل التحديات الى فرص ، بسبب طبيعة المرحلة من عمر الدولة .

آثار الأزمة في العراق كشفت هزال الدولة وضعف الوحدة الوطنية وكشفت التمزق السياسي المغلف بسيل من الخطابات الكاذبة ، وحقائق مرة أخرى :

١- اغتيال قائدي التحرير والمقاومة قرب مطار بغداد يكشف فشل الجهاز الامني العراقي في توفير الحماية لهما ، رغم كل المليارات التي انفقت لتطوير الاستخبارات في بلد تحتله اميركا وتهيمن على مطاراته المخابرات الامريكية والشركات الامنية الصهيونية.

٢- غياب الكرد والسنة عن الجلسة النيابية المخصصة لطرد القوات الأجنبية تعبير واضح عن غياب الوحدة الوطنية ، على الاقل المحاصصة تعني اقتسام المغانم والمغارم بروح التضامن الوطني ووحدة الموقف السياسي والامني ، لكن اتضح ان الكرد والسنة يبحثون عن مصالحهم خارج اطار بلدهم وهذا يعني ان تقسيم العراق الذي تصورنا انه لم يحدث بعد قد حدث بالفعل وكان بحاجة الى ضربة كهذه تكشفه للعيان .

٣- كشفت الأزمة ان المكونات السياسية في تفككها لم تكتف بالموقف السياسي بل غابت عنها حتى روح التقاليد العربية او الاسلامية او العشائرية في تأبين شهيد العراق ابو مهدي المهندس الذي انقذ اعراضهم ومنح دمه لأجل تحرير محافظاتهم من داعش ، لكنهم لم يحضروا التشييع ولا مجالس الفاتحة !

٤- كشفت الأزمة ان تمزيق المكون الاجتماعي الشيعي بلغ مرحلة متقدمة الى مستوى ان مجموعات من الاوباش هاجموا مسيرة تشييع شهيد العراق باسلوب عدائي في بعض المحافظات ، وهم ليسوا افرادا بل تقف خلفهم عشائر ومرجعيات مزيفة ! وفي بعض المناطق هناك فرح وتصفيق بأفول هذا القمر الذهبي الذي لا يتكرر والذي لا يعرف قيمة وجوده الاذلاء .

اما في ايران فقد تحولت المصيبة بفقد الشهيد قاسم سليماني الى وسيلة لاعادة تعبئة الشعب الايراني خلف قيادته وتوحيده ، ووسيلة لابراز العضلات الصاروخية ، ايران الدولة الوحيدة في العالم التي توجه ضربة نوعية بهذا الحجم الى أقوى قاعدة عسكرية امريكية وباعلان مسبق ! والطاغية ترامب الذي يحلب قوما ويذل آخرين من جيران ايران يقول لأيران : انتقموا لمقتل سليماني ولكن ليكن انتقامكم بحجم الخسارة رجاء بلا تصعيد ! في ايران استثمروا الأزمة ليستعيدا قوة المبادرة في اتفاقية الملف النووي . واستخدموا الفرصة لكي يدرجوا ٣٥ هدفا على لائحة الاستهداف في المنطقة وهم يتحدثون بدم بارد عن خيار تدمير تل ابيب وحيفا ان ردت اميركا على الضربة الاولى ، الايرانيون اذا قالوا فعلوا واذا سكتوا ارعبوا ، سكوتهم سيجعل ترامب يقلق خوفا من ان يبدأ الايرانيون برنامج الانتقام الحقيقي في نهاية الاشهر التسعة المتبقية قبل انتخابات الرئاسة والتي يريد منها ترامب الفوز بولاية ثانية .

خلاصة القول ان المقارنة بين الدولتين تكشف ان العراقيين لم يشكلوا دولتهم الموحدة بعد ، اما الايرانيون فيحولون دولتهم اليوم الى محور مقاومة اقليمي ويخططون لتحرير الشرق الاوسط من الاحتلال لانه مجالهم الجغرافي الحيوي في مواجهة الاعداء .

11-01-2020, 10:58
عودة