الرئيسية / الوقاية من انتهاكات حقوق الإنسان: حماية الكرامة الإنسانية قبل فوات الأوان

الوقاية من انتهاكات حقوق الإنسان: حماية الكرامة الإنسانية قبل فوات الأوان

"Today News": بغداد 

  بسم الله الرحمن الرحيم
تشكل منظومة حقوق الإنسان، بمعاييرها من عدل وأخلاق وحريات وحقوق وواجبات، حجر الزاوية في بناء المجتمعات المتحضرة. فهي ليست ترفًا فكريًا أو شعارًا سياسيًا، بل منظومة من القيم تحفظ للإنسان كرامته وتضمن له حياة حرة وآمنة. فالعدالة والحرية والمساواة ليست مفاهيم نظرية، بل واجبات مترتبة على الدولة والمجتمع والأفراد في آن واحد.

ورغم كثرة المواثيق الدولية التي نصّت على هذه الحقوق،
إلا أن الواقع يكشف عن فجوة مؤلمة بين المبادئ والتطبيق. فما زال ملايين البشر يعانون من ويلات الحروب، والجوع، والفقر، والتمييز، والاستبداد السياسي، في مشهد يُضعف الضمير الإنساني ويهزّ ثقة الشعوب بالمجتمع الدولي.

  ازدواجية المعايير…
جرح الإنسانية المفتوح
——————————-
تحوّلت حقوق الإنسان أحيانًا إلى ساحة صراع سياسي تتحكم بها المصالح لا المبادئ. فبعض الدول تُدين انتهاكات خصومها بينما تتغاضى عن جرائم حلفائها.

أبرز مثال على ذلك ما يحدث في فلسطين وغزة، حيث يمارس الاحتلال منذ عقود أشكالًا شديدة من الانتهاكات: قتل الأطفال والنساء، تدمير المستشفيات والمنازل، وفرض الحصار والتجويع. وأكدت محكمة العدل الدولية أن بعض هذه الأفعال يمكن تصنيفها كجرائم إبادة جماعية، إلا أن المجتمع الدولي ما زال عاجزًا أو متواطئًا بصمته ودعمه.

إن التطبيع مع هذه الانتهاكات يحوّل الجرائم إلى أمر مألوف، ويهدد منظومة حقوق الإنسان برمتها.

الفقر والتمييز والفساد:
أعداء خفية للكرامة
—————————
ليست الحروب وحدها ما يهدد الإنسان، فالفقر المدقع والفساد المستشري وانعدام العدالة الاجتماعية هي أشكال أخرى من العنف الصامت.
عندما تُحرم الشعوب من التعليم والصحة والغذاء والعمل الكريم، تُسلب إنسانيتها تدريجيًا. وعندما يُميَّز الناس بسبب العرق أو الدين أو الانتماء، تُغتال المساواة التي قامت عليها القوانين الدولية.

هذه الانتهاكات اليومية أخطر من القنابل، لأنها تقتل الروح قبل الجسد، وتحوّل الإنسان إلى رقمٍ في إحصاءات الفقر والنزوح

الوقاية قبل الانفجار
—————————
الوقاية من انتهاكات حقوق الإنسان تبدأ بالوعي، لا برد الفعل بعد وقوع الكارثة.
على الدول والمنظمات أن تضع حماية الإنسان في صميم سياساتها، عبر:
1.تطبيق القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة.
2.مكافحة الإرهاب دون تحويل الأمن إلى ذريعة للقمع.
3.تعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة في التنمية.
4.محاسبة منتهكي الحقوق دون تمييز أو انتقائية.
5.نشر ثقافة الحقوق عبر التعليم والإعلام والمسؤولية المجتمعية.

فالوقاية ليست شعارات بل منظومة متكاملة من الوعي، والمساءلة، والعدالة، والمسؤولية.

الضمير العالمي أمام امتحانه
————————————-
آن الأوان للعالم أن يراجع ضميره. فالصمت على الجرائم الكبرى، كالإبادة في غزة أو اضطهاد الشعوب الفقيرة، يشجع المجرمين ويقوّض فكرة العدالة الدولية.

وما لم تتحرر مؤسسات الأمم المتحدة من هيمنة المصالح السياسية، فإنها ستفقد ما تبقّى من مصداقيتها. فالكرامة الإنسانية لا تُجزّأ، ولا تُقاس بموقع الجغرافيا أو لون البشرة أو الدين.

إن الشرائع السماوية والمواثيق الدولية تتفق على مبدأ واضح:

( أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ( سورة المائدة آية 32).

الوقاية رسالة أخلاقية ومسؤولية حضارية
———————
حماية الإنسان هي الأساس الذي تُبنى عليه السلم والأمن والتنمية. ولن يتحقق ذلك إلا عندما تتوحد الإرادة الإنسانية ضد الظلم، وتُرفع الكرامة فوق المصالح، ويصبح الدفاع عن الإنسان واجبًا عالميًا لا خيارًا سياسيًا.

على المجتمع الدولي محاسبة كل من ارتكب الانتهاكات بحق الأبرياء، ومن دعم أو سكت عن هذه الجرائم، وفقًا للقانون الدولي والمساءلة الأخلاقية، قبل عقاب الله سبحانه وتعالى.

          الدكتور وليد الحلي
              الأمين العام
       مؤسسة حقوق الإنسان

أمس, 16:51
عودة