• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

ثورة 14 تموز والمرجعية الدينية

ثورة 14 تموز والمرجعية الدينية

  • 14-07-2021, 13:09
  • مقالات
  • 1471 مشاهدة
صلاح عبد الرزاق

"Today News": بغداد 

الأوضاع السياسية غداة الثورة
 كان النظام البرلماني في العهد الملكي يتشكل من مجموعة من الأحزاب السياسية مثل ( حزب الإستقلال ) وهو حزب قومي تزعمه محمد مهدي كبة وصديق شنشل ، و( الحزب الوطني الديمقراطي) بزعامة كامل الجادرجي ومحمد حديد وحسين جميل ، وثلاثتهم من الأرستقراطية ، و( حزب الأمة ) الذي أسسه صالح جبر . لقد إصطبغ البرلمان العراقي بلون عسكري إذ كان أغلب الساسة الذين تولوا رئاسة الحكومة ضباطاً ( نوري السعيد ، ياسين الهاشمي ، جميل المدفعي ، نور الدين محمود ..) . وكانت الحكومة هي التي تعيّن وترشح وتوصل من تريده إلى البرلمان . فالوضع كان مقلوباً في العراق، إذ أن الحكومة هي التي تشرف على البرلمان وتحدد من يدخله وليس العكس كما في برلمانات العالم.
وكان الإختناق السياسي قد تزايد بسبب القمع المتواصل للأحزاب السياسية والمثقفين ، وزادت المطالب الوطنية بالإصلاح الدستوري وإلغاء القواعد البريطانية ، وإطلاق سراح المعتقلين ، وإلغاء حلف بغداد وقطع الإتصال بإسرائيل . وكان الخلاف في أوجه بين نوري السعيد وجمال عبد الناصر الذي تزعم إنقلاب 23 تموز 1952 ، وتأثير أفكاره القومية والعروبية على الأوساط السياسية والفكرية في العراق .

شخصية عبد الكريم قاسم
كان عبد الكريم قاسم من أصل ريفي من مدينة الصويرة قرب مدينة الكوت . والده عربي سني وأمه كردية فيلية شيعية . له أخ (حامد جاسم) يعمل وسيطاً للنقل النهري وحالته جيدة . نشأ عبد الكريم قاسم عصامياً ، إذ أكمل الكلية العسكرية ، وحاز مناصب عسكرية ، إذ كان برتبة عميد ركن ومرشح لرتبة أمير لواء ركن . وهي رتبة عسكرية يسمى حاملها (باشا) في الجيش العراقي . كان ذا ثقافة جيدة ، يجيد العربية الفصحى ، مطلع على الأدب العربي القديم . ويجيد الإنكليزية ، إذ أنه قد درس الأركان في مدرسة كبار الضباط في بريطانيا عام 1950 . ومع إختلافنا مع سياسته وأفكاره وإتهامه بالدكتاتورية ، إلا أنني لم أجد من يذكر سلوكه الشخصي بسوء ، فقد كان مستقيماً ، لا يدخن ، ولا يحب السهرات ، جدي ، متواضع ، لم يبن قصراً بعد توليه الرئاسة ، بل سكن في غرفة في وزارة الدفاع . كان سائقه يجلب له طعامه ( سفرطاس) من بيت أخيه . لم يتزوج ، وعلاقته جيدة مع أسرته وأصدقائه . لم يحتفظ بأحقاد شخصية قديمة ، بل كان يعفو عن كثير ممن أساؤا له وحاولوا إغتياله . كان يعمل طوال اليوم ، ولم يتقيد بمواعيد الدوام . وغالباً ما يقوم بجولة ليلية لتفقد سير العمل في قناة الجيش وتبليط الطرق والساحات . لم يمنح رتباً عسكرية خارج القانون أو منح قدم لغير مستحقيها ، وحتى نفسه .

سياسة عبد الكريم قاسم
قام عبد الكريم قاسم وبمساعدة بعض الضباط بالاستيلاء على السلطة في انقلاب عسكري ضمن خطة (عملية صقر) ، وتمت تصفية العائلة المالكة في ظروف غامضة . قام عبد السلام عارف بقراءة البيان الأول للثورة من دار الاذاعة العراقية . ثم قام بتشكيل حكومة جديدة استعان بها بالوجوه السياسية القديمة والمعارضة للنظام الملكي.
بالنسبة لسياسة قاسم في الأعوام الخمسة التي حكمها هناك تفاصيل كثيرة لسنا هنا بصددها ولكننا سنركز على ما أهمها . على الصعيد الخارجي تقارب عبد الكريم قاسم مع الإتحاد السوفياتي نكاية بأميركا وبريطانيا بعد غضبهما على إصدار قانون رقم 80 الذي يقيد التنقيب عن النفط في مساحة محدودة . على الصعيد الداخلي إهتم ببناء المشاريع العمرانية والإسكانية والمصانع ورفع المستوى التعليمي والصحي ، مما عزز شعبيته بين الجماهير وخاصة الطبقة المسحوقة التي كانت تعيش على هامش المدن ، فبنى مدينة الثورة ببغداد ومنح مساكن شعبية لأصحاب الصرائف وغالبيتهم من الشيعة.

موقف المرجعية الدينية
إستقبلت المرجعية الشيعية ، التي كان يرأسها المرجع الديني السيد محسن الحكيم (قدس) ، التغيير السياسي بترحاب . وبعث السيد الحكيم برسالة إلى عبد الكريم قاسم جاء فيها: ( ولقد سرني ما يبلغني عنكم من خطوات سديدة جبارة في هذه الآونة القصيرة. الأمر الذي يستوجب لكم الاكبار والاعظام. لذلك أبارك لكم فيما أولاكم الله به، وأدعو لكم بحسن التوفيق لخدمة الدين والاسلام ، والمحافظة على الصالح العام). وقد أجابه قاسم بما يلي: ( تلقينا كتاب سماحتكم بمزيد من الشكر، سائلين المولى أن يوفقنا لأداء الواجب الملقى على عاتقنا نحو الأمة وحماية شعائر الاسلام وإقامة موازين العدل والمحافظة على الصالح العام، مستمدين العون من عناية الله ومؤازرة الأمة وبركات أئمة الدين) .

لم يمض شهر العسل طويلاً بين المرجعية وقاسم إذ سرعان ما توترت العلاقات بعد بروز نجم الشيوعيين وانتشار نفوذهم مما جعل الحركة الإسلامية والحوزة العلمية تغير موقفها . بدأت بإقامة إحتفال سنوي ضخم بمناسبة ولادة أمير المؤمنين (ع) في كربلاء وولادة الإمام الحسين (ع) في النجف ، ليكون تظاهرة إسلامية كبرى . بدأت الحركة الإسلامية في تعبئة الجماهير ضد التيارات المنحرفة ونشر الكتب والمجلات ، من أجل تحصين الأمة بالثقافة الإسلامية ، وإقامة الإحتفالات والندوات والدروس . وجاء إصدار الشهيد محمد باقر الصدر لكتابيه (فلسفتنا وإقتصادنا ) في تلك الفترة . وأصدرت جماعة العلماء مجلة (الأضواء) عام 1959 ، واستمرت حتى عام 1962 .

الاصطدام مع الاسلام
لم يؤسس قاسم حزباً سياسياً بل بقي يلعب لعبة التوازنات ومسك العصا من الوسط وضرب هذا الحزب بذاك . قوي في عهده نفوذ الحزب الشيوعي العراقي ، وأخذت مظاهر الكفر والإلحاد تتزايد ، وتصاعد الإنتقاص من الإسلام والشريعة الإسلامية واتهامها بالرجعية والتخلف. كما واجهت المرجعية اتهامات ومدعيات ضدها.
 
فقد أصدر قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 والذي نشر في جريدة الوقائع العراقية في 28 تموز 1959. وألغى القانون كل القوانين الاسلامية المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية كالزواج وتعدد الزوجات. فقد ألغى القانون ضرورة الحصول على موافقة ولي الزوجة أو حضور القاضي في عقد الزواج. كما منع القانون الزواج بأكثر من واحدة. ومنح المرأة حق الطلاق وأن يكون لها حقاً مساوياً للرجل في الإرث. كما ألغى القانون جملة من القوانين الاسلامية مثل قانون الخلع والظهار والايلاء. ولم يلتزم به قضاة المحاكم الشرعية ، بل رفضت النساء أخذ حصصهن بموجبه .

وقد اعتبرت المرجعية الدينية أن القانون يشكل ضربة موجهة لها لأن وظيفة المرجع هي الدفاع عن الأحكام الاسلامية. ولذلك أرسل السيد الحكيم وفوداً لقاسم طالباً منه إلغاء القانون، فلم يستجب لطلبه. وحث السيد الحكيم على نقد القانون في الاحتفالات العامة، وكلف الدكتور السيد محمد بحر العلوم بتأليف كتاب يرد على القانون فقام بتلك المهمة.
ورافق ذلك مظاهر عنف ووحشية مثل تعليق الأجساد وسحل الجثث في الشوارع ، ومحاكمات كوميدية من قبل فاضل عباس المهداوي ، ووحشية ( المقاومة الشعبية ) التي استبسلت في الفتك بالمواطن الأعزل . الأمر الذي دفع قاسم إلى نفض يده من تأييد الشيوعيين ، إذ ألقى خطابه المعروف  في كنيسة مار يوسف في شهر مايس 1959 والذي هاجم فيه الشيوعيين  ووصفهم بالفوضويين.

انتهزت المرجعية الدينية تدهور العلاقات بين قاسم والحزب الشيوعي فأصدر السيد محسن الحكيم في 12 شباط 1960 فتوى بحرمة الإنتماء للحزب الشيوعي ، وأن الشيوعية كفر وإلحاد وترويج لهما . وأصدر فتوى بحرمة اللحم المأخوذ من القصاب الشيوعي . ساند المراجع فتوى الحكيم بصدد الشيوعية وأيده كبار الفقهاء كالسيد الخوئي والشاهرودي وعبدالله الشيرازي والشيخ مرتضى آل ياسين والسيد محمد جواد الطباطبائي التبريزي والشيخ عبد الكريم الجزائري . ورفض مراجع آخرون إصدار فتاوى أمثال حسين الحمامي وعبد الكريم الزنجاني والشيخ محمد فاضل القائيني. وقد اتهم الثلاثة بتهم الشيوعية والعمالة لبريطانيا والجنون على الترتيب.

بقي السيد الحكيم ماضياً في سياسة القطيعة مع قاسم. ولذلك أعرب عن رغبته بلقاء الحكيم عند زيارته للنجف، لكن السيد الحكيم رفض ذلك الطلب. وقد حاول قاسم تلافي التدهور الذي أصاب رصيده السياسي، فقام بزيارة إلى النجف لكنه فشل في لقاء المرجعية الشيعية.  وقد أضعف موقف المرجعية قاسماً حيث استفاد أعداؤه القوميون من عزله عن الشعب ثم إسقاطه.




موقف الإسلاميين السنة
وقف الإخوان المسلمون الممثلين بالحزب الإسلامي العراقي موقفاً إيجابياً ومؤيداً من حكومة عبد الكريم قاسم ، إلا أن هذا الموقف تغير بعد هيمنة الحزب الشيوعي . فساهم الإخوان في التصدي للتيار الشيوعي وأفكاره .
وكان الحزب الإسلامي قد حصل على الترخيص بالعمل بقرار محكمة الإستئناف بعد رفض وزارة الداخلية منحه الترخيص عام 1960 . وكان الحزب قد قدم السيد محسن الحكيم بوصفه راعي الحزب .

شتعرض الإخوان عام 1959 لهجمة شرسة في الموصل ، بعد فشل حركة عبدالوهاب الشواف في الموصل ، إستشهد عدد منهم ، فيما إضطر بعضهم للهرب كالشيخ محمد محمود الصواف وعبد الكريم زيدان وعبد الرحمن السيد محمود إلى السعودية . وفي 5 تموز 1960 اصدر الحزب الإسلامي العراقي بياناً شجب فيه الشيوعية بعنف ، وحذر الأمة من دعايتهم الخبيثة ومكائدهم . كما قدم عريضة إلى عبد الكريم قاسم تضمنت نقداً لاذعاً للحكومة لإغفالها تعليم الدين الإسلامي ، ولتبنيها التعاليم الشيوعية الإلحادية ، وطالبت بإلغاء الشيوعية . وبسبب النقد المتزايد للحكومة ، سحبت وزارة الداخلية إجازة الحزب واعتقلت من بقي من زعمائه .

أخر الأخبار